من الميلاد إلى الرحيل
يُعتبر النبي محمد ﷺ أعظم شخصيات التاريخ وأكثرها تأثيرًا، فقد أرسله الله رحمةً للعالمين، وأتمَّ به النبوة وأكمل به الرسالات. في هذا المقال، سنتناول سيرته العطرة من ميلاده حتى وفاته، مع التركيز على أبرز المحطات التي شكَّلت دعوته وانتشار الإسلام.

مولد النبي ﷺ
وُلد النبي محمد ﷺ يوم الاثنين 12 ربيع الأول من عام الفيل (571 م) في مكة المكرمة، في بيت بني هاشم من قريش. توفي والده عبد الله قبل ولادته، فتولت أمه آمنة بنت وهب تربيته، ثم أرسلته إلى مرضعته حليمة السعدية وفق تقاليد العرب آنذاك. توفيت والدته عندما كان في السادسة، فكفله جده عبد المطلب، ثم بعد وفاته، تولى عمه أبو طالب رعايته.
نشأ محمد ﷺ في مكة، واشتهر بصدقه وأمانته حتى لُقِّب بـ الصادق الأمين. عمل في التجارة، وكان يُعرف بحسن أخلاقه وحكمته، مما جعله محل احترام أهل مكة.

زواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها
في الخامسة والعشرين من عمره، تزوج النبي ﷺ خديجة بنت خويلد، وهي سيدة شريفة في قريش وصاحبة تجارة ناجحة. كان زواجًا مباركًا دام 25 عامًا، أنجبا خلاله أبناء، منهم القاسم، زينب، رقية، أم كلثوم، فاطمة، وعبد الله.
كانت السيدة خديجة أول من آمن به وسانده في دعوته، فكانت خير زوجة وأم للمؤمنين.

نزول الوحي وبداية الدعوة
عندما بلغ النبي ﷺ سن الأربعين، كان يختلي في غار حراء يتأمل في الكون، حتى جاءه الوحي عبر جبريل عليه السلام بأول آية:
اقرأ باسم ربك الذي خلق
(العلق: 1)
بدأ النبي ﷺ دعوته سرًا لمدة ثلاث سنوات، فآمنت به زوجته خديجة، وصديقه أبو بكر الصديق، وابن عمه علي بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة. ثم أمره الله بالجهر بالدعوة، فواجه معارضة شديدة من قريش.

الطريق إلى المدينة وبناء الدولة الإسلامية
بعد أن اشتد اضطهاد قريش للمسلمين، أمر الله نبيه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فاستقبله أهلها بحفاوة. هناك، أسس النبي ﷺ المسجد النبوي، وأقام وثيقة المدينة، التي نظمت العلاقات بين المسلمين وغيرهم.
خاض المسلمون معارك دفاعية مثل غزوة بدر (2هـ) وأحد (3هـ) والأحزاب (5هـ)، وانتشر الإسلام في الجزيرة العربية حتى دخل النبي ﷺ مكة فاتحًا عام 8 هـ، معلنًا العفو عن أهلها.

بناء الدولة الإسلامية والغزوات
في المدينة، واجه المسلمون العديد من التحديات، وكان عليهم الدفاع عن أنفسهم أمام قريش والمشركين. خاض النبي ﷺ عدة غزوات، منها:
- غزوة بدر (2هـ / 624م): أول انتصار للمسلمين ضد قريش.
- غزوة أحد (3هـ / 625م): انتصار أولي للمسلمين، ثم تراجع بسبب مخالفة بعض الصحابة لأوامر النبي.
- غزوة الأحزاب (5هـ / 627م): محاولة المشركين القضاء على المسلمين، لكنهم فشلوا بفضل خطة النبي ﷺ وحفر الخندق.

صلح الحديبية (6هـ / 628م) وفتح مكة (8هـ / 630م)
في السنة 6 هـ، عقد النبي ﷺ صلح الحديبية مع قريش، الذي كان بداية انتشار الإسلام بين القبائل. وبعد أن نقضت قريش الاتفاق، جهز النبي ﷺ جيشًا قوامه 10,000 مسلم ودخل مكة فاتحًا في السنة 8 هـ، معلنًا العفو عن أهلها.
قال النبي ﷺ عند الفتح:
"اذهبوا فأنتم الطلقاء"
كان فتح مكة نقطة تحول، حيث أسلم معظم أهلها، وبدأت الجزيرة العربية تتجه بالكامل نحو الإسلام.

خطبة النبي ﷺ الأخيرة
في السنة 10 هـ، حج النبي ﷺ حجته الأولى والأخيرة، وخطب في المسلمين خطبته الشهيرة، حيث قال:
قال النبي ﷺ عند الفتح:
"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا" (المائدة: 3)
كانت خطبة الوداع ملخصًا لمبادئ الإسلام، وأكد فيها النبي ﷺ على المساواة، العدل، وحقوق الإنسان.

انتقل النبي ﷺ إلى جوار ربه
بعد عودته إلى المدينة، أصيب النبي ﷺ بمرض شديد استمر أيامًا، ثم انتقل إلى جوار ربه يوم 12 ربيع الأول في بيت عائشة رضي الله عنها، عن عمر 63 عامًا.
عندما نعى أبو بكر الصديق المسلمين قال:
"من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت."
كانت وفاته ﷺ أعظم فاجعة للأمة، لكنها لم توقف انتشار الإسلام، فقد استمر الصحابة في نشر دعوته.
حياة النبي محمد ﷺ مليئة بالدروس والعبر
قد كان قائدًا حكيمًا، ومعلمًا رحيمًا، ورسولًا أتم الله به الدين. رسالته كانت رحمة للعالمين، وسيرته ستظل نورًا يُهتدى به إلى يوم القيامة.
كانت حياة النبي محمد ﷺ نموذجًا فريدًا في القيادة والرحمة والصبر. من ميلاده إلى بعثته، ومن الهجرة إلى بناء الدولة، ومن الغزوات إلى فتح مكة، ومن خطبة الوداع إلى رحيله، كان مثالًا يُحتذى به. ترك لنا إرثًا خالدًا من التعاليم والقيم، وسيظل ﷺ القدوة الأعظم لكل مسلم.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.